الواقع التعليمي للفتاة الريفية في مديرية الأزارق بالضالع ..قيود اجتماعية قاسية وإهمال حكومي جائر
الفانوس- نسوان فويس- علاء السلال
تعد مديرية الأزارق واحدة من المديريات الأكثر تدهورا في البنية التعليمية بمحافظة الضالع، حيث تواجه جملة من التحديات، منها نقص في المدارس مقارنة بعدد السكان، وما تتطلبه من كادر تعليمي وكتب ورعاية، حيث يقطع الطلاب عشرات الكيلومترات يوميا للوصول إلى المدراس في المراكز الرئيسية بالمديرية، وهذا الأمر يلقي بظلاله القاتمة على واقع الفتاة الريفية التي تعد الحلقة الأضعف في سلسلة المعاناة الأزلية.
في هذا التقرير ترصد منصة" نسوان فويس، والفانوس" معاناة الفتاة الريفية في الجانب التعليمي، ويتطرق لأهم التحديات التي تحول دون وصول الفتاة الريفية في هذه المديرية النائية للمرحلة الثانوية، ومن ثم الجامعية، على ضوء إحصائيات مكتب التربية بالمديرية التي تشير إلى أن مديرية الأزارق البالغ عدد سكانها 37 الف نسمة لا تمتلك سوى 39 مدرسة للبنين والبنات، ولا توجد سوى مدرسة واحدة للبنات، فيما بلغ عدد الفتيات في الثانوية العامة 660 فتاة من إجمالي 7040 فتاة في المرحلة الأساسية والإعداية، في حين يبلغ عدد الذكور في المرحلة الأساسية 9971 فتى، بينما بلغ عدد الذكور في الثاونية العامة 1553.
وتعكس هذه الإحصائية عجزا كبيرا في قدرة الفتيات على إكمال تعليمهن الذي غالبا ما ينتهي في الصف الثالث الإعدادي، لعدد من الظروف.
مقصلة العادات والتقاليد تبتر أحلام الفتيات
قليلات هن الفتيات الناجيات من مقصلة العادات والتقاليد والمورثات الاجتماعية التي ترى أن زواج الفتاة في سن مبكرة أثمن بكثير من إكمالها تعليمها الثانوي والجامعي، ضف إلى ذلك الإهمال الذي يقف في طريق أحلام آلاف الفتيات الراغبات في مواصلة التعليم، وفي مديرية الأزارق تتجلى كل العوائق مرة واحدة في مشهد تعليمي يتسم بالبؤس.
وحول التحديات التي تواجه الفتيات يقول الأستاذ عادل فضل مدير مدرسة صلاح الدين الأيوبي في منطقة حمادة "أبرز الصعوبات التي تقف في طريق تعليم الفتاة في مديرية الأزارق تتجسد في عدد من النفاط منها" عدم وجود مدارس خاصة للفتاة الريفية قريبة من مسكنها، حيث تضطر لقطع عشرات الكيلومترات يوميا في ظل خطورة الطريق الخالية من السكان، وكذلك عدم وجود كادر نسائي لتعليم الفتاة في مراحل التعليم الأساسية والثانوية في المنطقة"
ويضيف" أيضا عدم إهتمام الدولة ببناء المدارس الخاصة بالفتيات، وغياب الوعي بأهمية إكمال الفتاة تعليمها، أضف إلى ذلك مشكلة الزواج المبكر تماشيا مع العادات والتقاليد والأعراف، وأحيانا نتيجة الظروف المادية الصعبة، حيث يكتفي معظم الأباء بتدريس بناتهم للمرحلة الأعدادية فقط، وهذا خطأ كبير، لا سيما وأننا نرى فتيات متفوقات، ويمكن ان يكون لهن مستقبل كبير"
من جانبه يرسم الطبيب معاذ الأحمدي صورة قاتمة لواقع الفتاة الريفية في مديرية الأزارق خاصة وفي عموم البلاد بشكل عام، ويتطرق لظلم كبير يقع عليهن، حيث يقول" الفتاة الريفية هي الأقل حظا والأكثر تعاسة في مجتمع الريف، حيث تعمل بطريقة تشبه الآلة دون توقف، فهي المسؤولة عن جلب المياه من أماكن بعيدة ووعرة وهي من تجمع الحطب الذي ما يزال يُستخدم في أمور الطهي في أغلب القرى، وهي من تهتم بأمور الأرض والمنزل والأولاد"
ويتساءل الأحمدي بكثير من الحسرة" في المقابل على ماذا حصلت الفتاة، أكثر من حرمانها من التعليم، وزواج مبكر عادة يتم دون موافقتها، وحرمانها من حقوقها الصحية حيث لا يتم الذهاب بها إلى المستشفى إلا في اللحظات الأخيرة حين تكون في مرحلة الخطر، وهناك قصص كثيرة لفتيات توفين بسبب الحمل، بعضهن نزفن حتى فارقن الحياة، والبعض الآخر تعثرت بهن الطريق في الوصول إلى أقرب مركز صحي في عاصمة المحافظة والتي تبعد عن بعض قرى ومناطق الأزارق قرابة ٣ ساعات بالسيارة"
ويشدد الأحمدي على حق الفتاة في التعليم، والإيمان بقدرات الفتيات بقوله" الفتاة في الريف حينما تجد الفرصة تنطلق في أي مجال كان، وهناك قصص ملهمة وكثيرة لفتيات حصلن على فرص وابدعن فيها واستطعن الوصول وتحقيق أحلامهن وطموحاتهن، وقدمن خدمات جليلة للمجتمع"
تحميل الفتاة مسؤولية البيت في سن مبكرة
نظرا لقسوة الحياة في الأرياف التي تتسم بظروف معيشية صعبة، تجد الفتاة الريفية نفسها مسؤولة عن توفير الكثير من المتطلبات، منها جلب المياه من آبار بعيدة، والحطب، وتقوم بالفلاحة وتربية الماشية، وغير ذلك من المسؤوليات اليومية، وفي هذا الصدد تقول انتصار الفقيه مدير عام تنمية المرأة بمحافظة الضالع " إن الفتيات في الأرياف يعانين من معوقات وصعوبات كبيرة للوصول إلى الخدمات ولذلك فإنهن يجبرنّ إلى الخروج من المدرسة لأجل توفير الماء لأسرهن، وأيضا لا يسمحوا للفتيات بإكمال تعليمهن بحجة أن البنت مكانها المطبخ، حتى وإن كان تحصيلها العلمي ممتاز وأن الولد هو من يستحق أن يدرس حتى وإن كان تحصيله العلمي ضعيف هذا تفكير غير منطقي"
وتضيف" أيضاً الزواج المبكر لعدم وعي الأهالي بخطورة ذلك الزواج،، وما يترتب من آثار صحية عديدة على الطفل والمرأة عند الزواج، أما كدورها في مجتمعها فهي تبقى أنثى ضعيفة ومهمشة لا ينظر لنجاحها ولا لمستواها أو مكانتها، حتى وإن كانت ممرضة أو مديرة لا يتم الأخذ برأيها"
وعن جهودهم في هذا المسار تقول " بدأنا بتأسيس جمعية نسوية لإظهار صوت المرأة بممارسة حقوقها التي فرضها لها الإسلام، ولدينا فتيات ونساء من كل قرى ومراكز محافظة الضالع"
وتتابع" للتغلب على هكذا معتقدات يجب أن يتم إختيار المواضيع المناسبة للتوعية بها بين أوساط المجتمع في القرى الريفية، بمجال التوعية الصحية والجانب التعليمي، وحول خطورة التسرب المدرسي، أيضاً التوعية في الجانب الإجتماعي حول مشاركة المرأة للرجل بكل متطلبات الحياة وتقدير وتشجيع دور المرأة العاملة والمؤثرة في المجتمع، وتشجيع المرأة بالبحث عن فرص عمل مُدّرة للدخل"
بدوره المعلم والتربوي صادق العمري يورد عددا من الأسباب حول عزوف الفتيات في الأرياف عن إكمال التعليم بقوله" يلتحق الذكور والإناث في السن السابعه من العمر بالمدرسة، ولكن الفتاة في الغالب تقف عند منتصف الطريق، وذلك بسبب الواقع القبلي السائد في الأرياف كبيئه غير جاذبه لتعليم الفتاه، إضافة إلى متاعب الحياه والانشغال في توفير المياه للأسرة، إلى جانب أعمال أخرى تقع على عاتق الفتاة الريفيه في مساعدة الأمهات في منازلهم"
ويشدد العمري على أهمية التوعية الإعلامية التي تستهدف المجتمعات الريفية عن ضرورة إكمال تعليم الفتاة، والتحذير من الزواج المبكر، وحث الفتيات على إكمال تعليمهن الثانوي والجامعي، كما يدعو لفتح مدارس خاصة بالبنات في الأرياف، والتفكير كذلك بفتح أقسام للكليات والمعاهد في المناطق النائية.
جهل المجتمع بأهمية تعليم الفتاة
وأمام هذه الصورة القاتمة لواقع تعليم الفتاة في مديرية الازراق هناك من ما يزال ينظر للفتاة كربة منزل ينحصر دورها في الأعمال المنزلية، دون أدنى وعي بحق الفتاة بالتعليم والعمل وممارسة نشاطها كمعلمة وطبيبة ومهندسة وإعلامية وغير ذلك من المهن، كما لا يعول الكثير من الآباء على بناتهم في مساعدتهم ماليا من خلال الحصول على وظائف حكومية أو خاصة، فذلك من وجهة نظرهم يندرج ضمن قائمة العيب.
وفي هذا الأطار تقول أشواق الطيري وهي مديرة إدارة المرأة والطفل بالمجلس الانتقالي الجنوبي مديرية الأزارق ومديرة إدارة تنمية المرأة بالمديرية تقول " غالبية المجتمع ينظر للمرأه وكأنها فقط خٌلقت للعمل المنزلي والزواج فقط وهذا يعد تخلف والمرأة من حقها أن تتعلم وتشق طريقها ومستقبلها لكون المجتمع بحاجه مأسه للكادر النسوي في جميع المجالات التربويه والصحيه وغيرها"
وتتابع " في مجتمع يسوده الجهل والتخلف تكون الضرورة ماسة إلى التثقيف ونشر الوعي وسط المجتمع حول أهميه تعليم الفتاه وحول خطوره الزواج المبكر الذي يقتل الفتاه من جميع الجوانب وأهمها التعليم"
وتؤكد أن بعض القرى لا تتوفر فيها المدارس سوى للصف الثالث الإبتدائي وتقول" قرى النصل وفهر في الشمال الغربي لمديرية الأزارق الكثير من الفتيات لم يتمكن من مواصلة التعليم في تلك القرى إلى ما بعد الصف الثالث بسبب عدم وجود فصول دراسية في القرية أو في الأماكن القريبة حيث يضطر الطلاب لقطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب مدرسة في عدن حمادة او منطقة أجوة بينما الفتيات لا يتمكن من ذلك وحينها يتحولن إلى فتيات يعملن إلى جانب الأهل في الأمور المنزلية والزراعية الشاقة"
وتضيف "هذا القرى تمثل انموذجا منتشرا في أغلب مناطق الأزارق وفيها تنعدم أدنى حقوق الفتيات لأسباب أبرزها غياب الدولة ومؤسساتها التعلمية والصحية والخدمية"
24 معلمة من إجمالي 480 معلم
وعن أبرز الصعوبات التي تواجه العملية التعليمية في الأزارق من وجهة نظر رسمية يقول مدير التربية في المديرية الدكتور علي محمد عبدالله " أبرز التحديات تكمن في عدم وجود مدراس خاصة بالبنات في المديرية حيث توجد قرابة ٣٩ مدرسة في المديرية للبنين مقابل مدرسة واحدة للفتيات إلى الصف التاسع في قفلة المحرابي، كذلك عدم وجود دورات المياه الخاصة بالفتيات وأن وجدت لا يتوفر الماء"
ويتابع" كذلك من التحديات نقص الكادر التعليمي وشحة الكتاب المدرسي خاصة من الصف الرابع إلى الصف الثالث الثانوي، نقص المدارس حيث أنه من العام2014م لم يتم بناء أي مدارس في المديرية أو إضافة فصول جديدة سوى بعض الفصول القليلة في بعض المدارس، ولدينا حوالي ٩ مدارس على مستوى المديرية بحاجة للترميم وتم رفعها لبعض الجهات المختصة لترميمها ولم يتم ترميم سوى ٤ مدارس فقط"
ويواصل "هناك ازدحام كبير داخل المدراس من قبل الأولاد، حيث بلغ عدد الطلاب الذكور في المرحلة الأساسية 9971، وفي الثانوية 1553، فيما بلغ عدد الطالبات في المرحلة الأساسية 7040 طالبة، وبلغ عدد الطالبات في الثانوية 660 كما يوجد لدينا 24 معلمة فقط في عموم مديرية الازراق من إجمالي 480 معلم ومدير ووكيل "
دراسات سابقة حول واقع الفتاة الريفية بمديرية الأزراق
وفي دراسة سابقة حول واقع الفتاة الريفية في مديرية الأزراق خلصت الدكتورة زينب القيسي مدير الإداره العامه لتنمية وحماية وتمكين المرأه في وزارة الصحه العامه والسكان إلى مجموعة من التوصيات تتضمن حلولا ومعالجات لكافة المشاكل والتحديات التي تواجه العملية التعليمية في مديرية الأزارق، منها:-
العمل على تحسين جودة التعليم وتوفير بيئات تعليمية آمنة وصديقة للفتيات، وتقديم برامج توعوية للأسر حول أهمية التعليم للفتيات، وضرورة فرض القوانين الرادعة ضد الزواج المبكر وتوعية المجتمع بمخاطره، ودعم الفتيات اللاتي يواجهن ضغوط الزواج المبكر من خلال تقديم خيارات تعليمية ومهنية، وكذلك
تشجيع الفتيات على المشاركة في الأنشطة المجتمعية لمكافحة العنف والتمييز، وإنشاء برامج تدريب مهني تستهدف الفتيات وتمكنهن من اكتساب مهارات تؤهلهن للدخول إلى سوق العمل، وتوفير الدعم للأعمال الصغيرة التي تقودها الفتيات، وإطلاق حملات توعية بشأن حقوق الفتيات ومناهض العنف والتميز القائم على النوع الاجتماعي.
وتدعو الدراسة إلى تكاتف الجهود بين المجتمع المحلي، والحكومة، ومنظمات المجتمع المدني، والعمل على خلق بيئة داعمة تتيح للفتيات الفرصة لتحقيق إمكانياتهن ومواجهة التحديات بالصورة المناسبة.
أنتجت هذه المادة بالتعاون مع منصة "نسوان فويس"