لماذا توارى المثقفون والأدباء اليمنيون خلف ستار الصمت؟
طغيان السياسة على الثقافة في مجتمع فقير إلى المعرفة
الفانوس - تقرير خاص
من خلف ستار شفاف يراقب المثقف اليمني الأوضاع الآخذة في التدهور يوما إثر آخر، بعد أن غادر الساحة متأثرا بشظايا واقع اللا حرب، اللا سلام، اللا حياة أو اللا موت، يتواكب ذلك مع تدافع سياسي على مختلف مسارح الحياة، وهذا كله أنتج حالة من العدم اتسعت رقعتها لتبتلع معها دوره ومكانته في المجتمع.
تفرض السياسة هيمنتها الواضحة على كل تفاصيل الحياة اليومية للشعب اليمني، لذلك كثير من معالم جمال الإنسان بما يحتويه من طيبة وحب وتسامح وتعايش، تهشمت للأسف الشديد بسبب هذه الهيمنة التي لا تراعي الأطراف السياسية خلالها إلا مصالحها الخاصة فقط على حساب المجتمع، يتواكب ذلك مع غياب غير مفهوم لدور النخب الثقافية التي توارت خلف المشهد الثقافي والأدبي، مما أدى إلى فراغ كبير سقط في غياهبه التوازن، وغاب الوعي المجتمعي حول الكثير من القضايا والظواهر، والأكثر سوداوية أن تظهر على المشهد الثقافي والأدبي شخصيات ليس لها أدنى علاقة بالثقافة، لتقود وتوجه الناس نحو الجهل والتخلف والاجتماعي، في عملية التفاف على المستقبل، وكل ما تم بنائه في الماضي.
نبحث في هذا التقرير عن دور المثقف الأديب في خلق توازنًا يعيد ميزان الوعي الجمعي إلى المنتصف، وفيما إذا كان مؤهلا اليوم للعب هذا الدور في ظل ما تعرض لها من إقصاء وتهميش.
صقر الصنيدي: بات الزامل بديلاً للقصيدة ومهاجل الموت وريثاً للأغاني
صقر الصنيدي صحفي وكاتب روائي يقول" الحرب لا تخلق أدباء بل مقاتلين يذيع صيتهم، وفي الصراع لا يحضر الأدب والفنون بل مقتنيات الخصوم، وبينما يسمع الناس الرصاص لا يمكن أن يصغوا إلى القصائد وإلى أصحابها بل إلى مصدر النيران ومن يقفون خلف البنادق، الأدباء لا مكان لهم في ساحات الصراع الدموي وإذا كان لهم دور فهو متأخر جدا ويتبع المعركة بعد أن تنتهي"
ويتساءل الصنيدي "من يملأ الساحة إذا! تخلق الصراعات نماذجها يصبح الزامل بديلاً للقصيدة، ومهاجل الموت وريثاً شرعياً للأغاني وهذا ما هو حاصل اليوم، يمكنك أن تسمع زاملًا حربيا في مدينة ساحلية قادماً من خصم على يديه الدم ماثلا، وهو أمر لافت ويستحق التدقيق، يفسر ذلك أن الحرب ما تزال دائرة وإن توقفت المشافي عن استقبال الجرحى إلا أنها تستقبل تبعات ذلك".
ويختتم بالقول" الأديب المتماسك يمكنه الصمود إلى أن تنتهي العاصفة وتصل السفينة إلى الشاطئ وإخبار الناس بما حدث، أما الآن فصوته مثل مغنٍ في جزيرة نائية، قد يقول البعض هذا تخلٍ عند دور، ويأتي الجواب كيف لي أن أصعد إلى منصة المسرح بينما يحتلها مهرجون يحتفي بهم الجمهور ويصفق لعدد الضحايا على أيديهم، والواقع الافتراضي كاشف ذلك، فمن من الأدباء والكتاب يمكنه أن يواجه أو يتحدث عن واحد من مهرجي الساحة وإن حدثت مواجهة فلا مكان لمن يُعمل العقل أو يتحدث بالمنطق"
رياض السامعي: المثقف فقد القدرة على نشر الوعي والتنوير
رياض السامعي وهو صحفي وشاعر يقول" المثقف اليمني على وجه الخصوص يواجه عديد إشكاليات وتحديات في تعامله مع المجتمع والسياسة، ويتعرض للملاحقة والتهميش والتجاهل والتشويه والتخوين من قبل السلطات الحاكمة أو الجماعات المتطرفة أو الجمهور الغير مستعد لقبول الرأي المخالف أو النظرة الجديدة وهذا يدفع كثير مثقفين وأدباء إلى الصمت أو التبعية أو الانسحاب أو الهجرة، مما يفقد المجتمع اليمني فرصة الاستفادة من إبداعاتهم ومساهماتهم في بناء مستقبل أفضل".
ويضيف السامعي" ولذلك فإن دور المثقف والأديب في المجتمع اليمني حالياً هو دور غير حيوي وغير مؤثر، نتيجة عملية الانسحاب الكبير لكثيرهم من المشاركة في الحياة العامة وتواريهم بعيدا عن الأضواء، فالكثير منهم لم يعد يمتلك القدرة على التعبير عن الحقائق والواقع المعاش بالشكل المطلوب، وربما فقدوا القدرة أو الوسائل الناجعة التي من خلالها يستطيعون نشر الوعي والتنوير والنقد والتغيير بين الناس".
وعن ما يحتاجه المثقف يقول السامعي" الدور الذي ترمي إليه يا عزيزي أو تريده أن يكون من خلال هذا السؤال يتطلب من المثقف أن يكون مستقلاً ومنفتحاً ومسؤولاً وشجاعاً، وأن لا يخضع للضغوط السياسية أو الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية التي تحاول تقييده أو تحجيمه أو تشويهه لذلك".
ويرى السامعي أن "المثقف والأديب يحتاج إلى إيجاد توازن بين موقفه النقدي والبناء، وبين التزامه الأخلاقي والإنساني، وبين احترامه للتنوع والاختلاف، وبين حماية حريته الفكرية والإبداعية، وعليه أن يمتلك القوة والقدرة لمواجهة ذاته أولاً لتجاوز مرحلة الصمت والهزل والاختباء بعيداً عن واقعه ومجتمعه، عليه الخروج من دائرة الظلمة والتبعية، إلى بقعة الضوء والإيمان بنفسه وقدرته على المساهمة في إحداث التغيير المأمول وأنه أحد صُناعه، وأن يبدأ في استخدم أدواته الفنية واللغوية لإنتاج أعمال تلامس واقع الناس ويستطيع إيصالها إليهم، أعمال تعبر عن همومهم وتحفزهم على التفكير والتغيير، ولتحقيق هذا يتوجب عليه التعاون والعمل مع المثقفين الآخرين والمجتمع المدني والإعلام لتشكيل حركة ثقافية وفكرية تسعى إلى إحداث ثورة تغييرية في الوعي المجتمعي".
حميد الرقيمي: قيمة المثقف في مدى القدرة على مساعدة المجتمع
الكاتب والروائي الشاب حميد الرقيمي يقول" المتابع للمشهد اليمني والواقع المفروض اليوم على المجتمع يدرك بأن هناك انحدارا كبيرا شهدناه في السنوات الأخيرة على كافة الأصعدة وتحوّلت الجماليات التي كان يتمتع بها هذا المجتمع إلى الهامش مع تكاثر ملموس في تصاعد حدة الصراعات السياسية والتي بدروها ساهمت في ضرب المجتمع وتمزيق نسيجه وإتاحة الفرصة للأصوات الطائفية والمناطقية التي تلغي لحمة الإنسان اليمني".
ويضيف "هنا يبرز دور المثقف الحقيقي، المثقف الأصيل الذي ينتمي إلى تربته وإنسان مجتمعه وعندما أقول المثقف الأصيل والحقيقي معاً فهنا وجب التنويه بأن مفهوم المثقف غير واضح عند من يدّعي هذه الصفة وهو بعيد عنها؛ لأن قيمتك كمثقف تكمن في مدى قدرتك على مساعدة المجتمع وتثقيفه وابراز جمالياته مع الحفاظ على هويته والتمترس خلف قيمة وجود الإنسان ودعمه الدائم للوقوف في وجه التحديات".
ويؤكد الرقيمي "في السنوات الأخيرة غاب هذا الدور وشهدت هذه الفئة تحوّلات اثارت استغراب المواطن البسيط نفسه؛ وبدلاً أن يكون المثقف جزءاً لا يتجزأ من حياة المواطن ومعاناته وقضاياه في حالات الدفاع عنها والحفاظ على القواسم المشتركة التي بدروها تحافظ على تماسك المجتمع وحمايته من الأصوات الداعية للعنف والرافضة لأي شكل من أشكال التسامح والوئام، وجدناه يقف بعيداً دون الشعور بهذه المسؤولية العظيمة التي تقع على عاتقه أكثر من غيره".
ويستدرك "أنا هنا لا أعتب على المكونات السياسية التي نعرف كيف تدير مصالحها وتلعب أدواراً بعيدة عن رؤيتها المعلنة ولا تهم تماسك المجتمع، العتب الكبير يقع على المثقف الذي انسلخ عن ذاته وضاع في دهاليز هذه المكونات وتحوّل إلى صوت يزيّن ملامحها ناسياً مجتمعه وإنسان بلاده ولغته الحقيقية التي تكمن في صوت المجتمع وصورته وأبجدياته".
ويختتم بالقول "هناك وسائل عدة متاحة حتى يلعب المثقف دوره الحقيقي ويساهم في أحداث نوعاً من التوازن الذي بدروه يعيد الوعي المجتمعي إلى مكانه الطبيعي، اليوم صار لكل واحد منّا صوته ومنبره الخاص، وسائل التواصل منحتنا القدرة على التعبير وحرية التحدّث ومخاطبة الآخرين دون حاجة لأحد ، وحتى يستطيع المثقف أن يقوم بهذه الدور عليه أولاً أن يدرك قيمته كمثقف أصيل وأن يعي جيداً بأن مسؤوليته الحقيقية في كونه مثقف تكمن في مدى تأثيره على مجتمعه ومساعدته لإنسانه ولعب الدور الكبير في مواجهة التحديات بصدق وإيمان، غير ذلك مكانه الهامش، نعم أراه أساساً ومؤهلاً ومسؤولاً في الوقت نفسه".
محمد سبأ: تحطمت آمال الكثير من المثقفين اليمنيين
محمد سبأ وهو فنان تشكيلي وباحث في الموروث الثقافي اليمني يقول" أعتقد أن المثقف اليمني الآن يعيش في حالة صعبة من التخبط، يحاولُ إيجاد توازن مجتمعي أو نفسي على الأقل، في ظل الوضع الصعب الذي تحطمت فيه الكثير من آمال المثقفين الذين ينتظرون منذ أكثر من عقد من الزمن وصول الأطراف المتنازعة إلى حلول توافقية تضمن عودة السلام والاستقرار والتعايش بين جميع مكونات المجتمع اليمني والتي بموجبها يمكن للمثقف أن يحظى بالمكانة المرموقة في المجتمع، ويستعيد دوره التنويري".