أخبار

بائع المجلجل ..حكاية طفل دهس الزمان كل شيء جميل في حياته

الفانوس- أبرار محمد

في إحدى زوايا جامعة صنعاء القديمة، يتجول فتى صغير يُدعى "ح" يحمل بين يديه طبقا من "المجلجل". تروي عيناه المتعبتان حكاية عقود من القهر والحرمان والتعنيف، مع أن عمره الحقيقي لا يتجاوز 11 عاما.

طفولة ضائعة ضلت طريقها إلى المدرسة ولم تر يوما الفرح، ومبكرا وجدت نفسها وحيدة في مواجهة متاعب العيش دون سند أو معيل، وكأن الزمان قد دهس كل شيء جميلة في حياته.

مع انتهاء يوم العمل، يعود "ح" إلى منزله البسيط في حي السنينة، بعد أن يطلب من سائق الحافلة السماح له بالركوب مجانا، إذ أن المال الذي جمعه بالكاد يكفي لتلبية احتياجات أسرته، وعندما يُسأل لماذا لا يترك والده الظالم ويهرب من هذا الجحيم، يرد بكل بساطة: "إذا تركت المنزل، من سيعمل ويصرف على أخواتي؟"

عائلة فقيرة يعيلها طفل بملامح رجل متعب

يعيش "ح" مع أسرة تتكون من والدته وأبيه وأربع شقيقات، أكبرهن مطلقة ولديها خمسة أطفال، ثلاثة منهم يعيشون معها، رغم وجود والده، إلا أن دوره اقتصر على استهلاك ما يكسبه "ح" يوميا من بيعه للمجلجل، وقد صار مدمنا على السجائر والقات، ولا يبذل أي جهد لإعانة العائلة الفقيرة.

بينما الأطفال الآخرون يعيشون طفولتهم، يلعبون ويتعلمون، يجد "ح" نفسه في الشوارع، ينادي ببيع المجلجل ليجمع مبلغ زهيد يغطي مصاريف العائلة التي تعتمد بشكل كلي على ما يجمعه يوميا من مبلغ زهيد جدا.

يقول " ح" لمنصة الفانوس" أعمل يوميا منذ الصباح الباكر وحتى المساء، وأجمع حوالي ١٥٠٠ ريال يمني، ٦٠٠ منها أخصصها لشراء المجلجل، وباقي المبلغ أوفر فيه القوت الضروري لأسرتي"

ويضيف" لا يوجد لدينا في البيت أي شيء، لا كهرباء ولا ماء، ولا غاز للطبخ، وتطبخ أمي على الحطب، ونستخدم لمبة واحدة نشغلها على بطارية دراجة نارية، وحينما تنطفئ نعيش في ظلام دامس"

حياة قاسية وأب لا يرحم

حينما كنا نجري مع الطفل "ح" هذا الحوار طلب منا بأن لا نذكر اسمه، وكان خائفا من ابيه الذي يتعامل معه، وإخوانه بقسوة شديدة حيث لا يكتفي الأب بأخذ ماله، بل يعاقبه بالضرب المبرح إذا عاد خالي الوفاض، ويظهر على جسده الصغير آثارا مرعبة للعنف الذي يتعرض له بشكل يومي .

وبرغم كل هذا العنف، لا يتمنى "ح" الأذى لوالده، بل يقول ببساطة: "الله سيعاقبه." ويستمر في تحمّل الضرب والإهانة ليضمن أن أخواته الصغيرات لا يضطررن للعمل في الشوارع.

وعندما سألناه عن رغبته في التعليم، أجاب بحسرة: "لقد كبرت، والطلاب سيضحكون عليَّ." لكن خلف تلك الكلمات، يظهر حلم قديما بأن يكون طبيبا جراحا. وحينما يُسأل عن أحلامه الأخرى، يجيب بلا تردد: "لا أريد مالا، لا أريد سيارة أو منزلا، فقط أريد أن يكون هناك طعام وغاز لأخواتي."

يسعى "ح" لحماية أخواته من مصير مماثل لمصيره، حيث يرغب والده في إخراجهن لبيع المناديل في الشوارع. يرفض "ح" ذلك بشجاعة، مصمما على أن يظل هو المعيل الوحيد، حتى لو كان الثمن طفولته وتعليمه وأحلامه.

ملاحظة

تم نشر هذا التقرير باسم مستعار لحماية الطفل من أي تعنيف قد يتعرض له. إن قصته تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها العديد من الأطفال في ظل الفقر والعنف، مما يستدعي التحرك الفوري لدعم هؤلاء الأطفال وتوفير بيئة آمنة ومناسبة لهم.

زر الذهاب إلى الأعلى