الدكتور يحيى الريوي يقدم للحكومة اليمنية خارطة طريق التحديات والحلول
الفانوس
أود التنويه أولا إلى أنه لا يمكن الحديث عن تشكيل حكومي جديد بما تعنيه كلمة جديد، حيث أن عملية اختيار وتعيين رئيس مجلس الوزراء الحالي وزملائه أعضاء المجلس تم بعيدا عن الدستور الذي ينص في مادته رقم ( 132) بأن "يختار رئيس الوزراء أعضاء وزارته بالتشاور مع رئيس الجمهورية ويطلب الثقة بالحكومة على ضوء برنامج يتقدم به إلى مجلس النواب "علما بأن التغيير الذي تم هو استبعاد من كان يشغل رئيس مجلس الوزراء وتحميله ضمنيا كل الإخفاقات والفشل والمؤشرات الكثيرة بوجود أشكال وصور مختلفة للفساد في أغلب الوزارات بما فيها الوزارة التي كان وما يزال يشغلها رئيس الوزراء الجديد وتلك مقاربة غير منطقيه وغير عادله أصابت في مقتل مبدأ المساءلة والثواب والعقاب والقدرة على الإنجاز والتجديد وإعطاء الفرصة للكفاءات الوطنية علما بأن هنالك وزراء في التشكيل الحكومي الجديد تجاوز عمرهم حوالي 12عاما من التنقل بين الوزارات المختلفة.
ثانيا للأسف الشديد وبعد مضي حوالي الشهر على تعيين الحكومة الجديدة فلم تستكمل بعد التعيينات في تركيبة تلك الحكومة فكما نص الدستور بأن الحكومة تتكون من رئيس الوزراء ونوابه والوزراء، ويؤلفون جميعاً مجلس الوزراء، حيث أنه وعلى سبيل المثال ما يزال رئيس الوزراء الجديد يقوم بمهام وزير الخارجية وشؤون المغتربين داخليا وخارجيا، كما يقوم وزير التخطيط والتعاون الدولي بمهام وزارة الإتصالات وتقنية المعلومات، والوزارتان المذكورتان من أهم الوزارات وتتطلب كل منهما وزيرا متفرغا للقيام بمهامهما الكبيرة.
ثالثا أنه وبعد مضي فتره بإعتقادي كافيه أمام رئيس الحكومة فلم يتم تقديم برنامج الحكومة للفترة القادمة وإقتراح أو تصور بموازنة الدولة، مما يحد من إمكانية تحليل الفرص والتحديات ونقاط القوة والضعف في عملها المستقبلي.
فرص النجاح وكيفية استثمارها من قبل الحكومة
بالنسبة للفرص المتاحة أمام رئيس الوزراء الجديد فتتمثل أهمها في جمعه بين التأهيل والخلفية الأكاديمية النظرية بصفته أستاذ علم الإدارة في جامعة صنعاء وبين معرفته العميقة للواقع الإقتصادي والسياسي للبلد منذ بداية عام 2013م عند شغله موقع الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني مرورا بشغله لموقع مدير مكتب رئاسة الجمهورية ودخوله التشكيل الوزاري الحكومي في ديسمبر 2020م، أي أنه قد قضى حوالي 5 سنوات في منصبه الرئاسي والوزاري ضمن الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة والتي تتبعها بدون إستثناء جميع الإدارات والأجهزة والمؤسسات التنفيذية التابعة للدولة، وتكونت لديه معرفه ودراية وبشكل تفصيلي بإلإشكالات المصاحبة للعملية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والعسكرية والأمنية في البلد وهذا بحد ذاته فرصه ونقطة قوه أيضا.
الفرصة الثانية هي التطلع والترقب والتأييد الشعبي الذي سيلقاه رئيس الوزراء الجديد وكذا المسانده لأي سياسات وقرارات جاده سيتخذها وستعود بالأثر الإيجابي على حياة المواطنين المعيشية والخدمية، والفرصة الثالثة هي الدعم المعلن من قبل مجلس القيادة الرئاسي.
الفساد.. أهم وأخطر التحديات أمام بن مبارك
وبالنسبة للتحديات فهي عديدة وكبيره ولعل أهمها الوضع الإقتصادي الكارثي الذي نتج عن توقيف تصدير النفط والغاز وبالتالي توقف العائدات من العملة الصعبة التي تعتمد عليها ميزانية البلد والفساد الضارب لجذوره في الدولة من رأسها حتى أخمص قدميها وإنهيار العملة الوطنية والأحداث العسكرية في البحرين العربي والأحمر ومنطقة باب المندب وحالة الحرب مع الحوثي وغيرها، كما أن هنالك تحدٍ مهم جدا ومؤثر في عملية إدارة الدولة وإتخاذ القرار العلمي والصائب ويتمثل في غياب المعلومة الدقيقة والمحدثة ونظمها المحوسبة وتعطيل عمل ونشاط أهم وأرفع مؤسسة معلوماتية في البلد وهي المركز الوطني للمعلومات في العاصمة عدن (بيت المعلومات الوطني) طوال فترة السبع السنوات الماضية.
ولهذا فأنه وبإعتقادي وإلى أن يتم حل مسألة إعادة تصدير النفط والحصول على موارد تعزز إيرادات الدولة فأنه يجب على الحكومة الجديدة الإهتمام وإيلاء العناية الفائقه أولا في كيفية التعامل الأمثل مع الموارد المالية المتاحة حاليا داخليا وتلك الخارجية وتعزيزها وتعظيم إستخدامها وتحديدا عبر محاربة الفساد المصاحب لإنفاقها وكذا ترشيد إستخدامها، وبإعتقادي بإنه يمكن بواسطة هذا النهج توفير مليارات الريالات وكذلك مبالغ لايستهان بها من العملة الصعبة وتوجيهها بحسب الأولويات بالإضافة طبعا الى تحسين أداء المؤسسات الإيرادية.
أود التأكيد بأن مخاطر الفساد الذي ينخر في المجتمع والدولة هي أعظم من خطورة مثلا عدوك الذي يقاتلك في الجبهات العسكرية، وهي كذلك لا تقل خطرًا عن ظواهر الإرهاب والمخدرات في أثرها التدميري، حيث إن ظاهرة الفساد لها أثرها التدميري على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي دولة، بل ويؤدي تغول الفساد وازدياد مستوياته إلى انهيار الدول والمجتمعات وهناك بوادر تشير إلى ذلك الانهيار في بلادنا.
وقد ودعت اليمن عام 2023م بمستويات فساد غير مسبوقة وبفساد منتشر في مختلف مفاصل الدولة ، حيث بين مؤشر الفساد العالمي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية ويقيس مستوى الفساد في 180 دوله من دول العالم تدهور ترتيب اليمن بشكل كبير ومستمر، ووصل إلى أنها تكاد تقبع في ذيل قائمة دول العالم الأكثر فسادًا، حيث احتلت المرتبة 176 من بين 180 دولة تناولها المؤشر في آخر نسخة له نهاية شهر يناير الماضي، ولم تأتِ بعد اليمن سوى جنوب السودان, سوريا فنزويلا والصومال.
وبالنسبة لقيمة المؤشر من نقاط النزاهة المائة نقطه (100نقطه) فقد حصلت اليمن على 16 نقطة فقط من الحد الأعلى لنقاط النزاهة وهو 100 نقطة، بينما كانت تحتل المرتبة 156 في العام 2012م أي قبل حوالي أحد عشر عاما وحصلت حينها على 23 نقطه من 100، وهنا يتضح بأن ترتيب اليمن قد تراجع أو هوى بمقدار عشرين مرتبة خلال إحدى عشر عاما وخسرت أيضا 7 نقاط من نقاط النزاهة المئة، وبالنظر إلى وتيرة تزايد مستويات الفساد وإلى إنعدام الإرادة السياسية وعدم جدية الهيئات الوطنية المعنية لمحاربته فمن المتوقع أن تحتل البلد المرتبة الأولى وبدون منافس في مؤشر الفساد العالمي خلال الأعوام القادمة.
أهم مظاهر وبؤر الفساد الواجب معالجتها
ولعل أسوأ ممارسات ومظاهر الفساد الشائع والتي أرى بإنه يجب على الحكومة الجديدة منع إستمرارها حاليا هي الكيفية التي تتم بها توزيع الثروة الوطنية، فهناك قاعدتان للبيانات بالنسبة لموظفي الدولة ورواتبهم، وتضم قاعدة البيانات الأولى موظفي الدولة الذين يستلمون مبالغ كبيرة كرواتب بالعملة الصعبة والتي بحسب ما نشرته صحيفة الأيام تضم 11000 شخص يستلمون شهريا مايقارب 110 مليون دولار أمريكي وهو مايعادل 187000000000ريال يمني أي (مائه وسبعة وثمانين مليار ريال يمني) وهؤلاء ليسوا تحت سلطة وزارة الخدمة المدنية بل لا تمتلك الوزارة حتى بياناتهم الوظيفية بالمطلق، حيث أن من ينعمون بهذا القدر من ثروات البلد هم تلك الطبقة المكونة من القيادات الحالية للدولة بسلطاتها الرئاسية والتنفيذية والتشريعية وقادة الأحزاب والمكونات السياسية وطواقمهم الإعلامية والدبلوماسيين، والذين يكونون حاليا طبقة ثرية ومترفة.
أما الغالبية العظمى من الموظفين فيعيشون على الفتات وتضمهم قاعدة بيانات موظفي الخدمة المدنية في المحافظات المحررة والنازحين والذين يقعون تحت سلطة وزارة الخدمة المدنية و يبلغ عددهم 271000 موظف (مائتين وواحد وسبعين ألف موظف ) وتبلغ رواتبهم الشهرية حوالي 28500000000 ريال يمني (ثمانية وعشرين مليار ونصف المليار ريال يمني). بينما تكلفة الأجور والمرتبات للمدنيين والعسكريين والأمنيين ككل شهريا يبلغ 88000000000 ريال يمني (ثمانية وثمانين مليار ريال يمني) بحسب تصريح رئيس البنك الأهلي اليمني لصحيفة "عدن تايم".
لنا أن نتصور أن أساتذة الجامعات والعقول الوطنية الذين لا يدخلون ضمن تلك الطبقة المترفة التي تستلم رواتبها بالعملة الصعبة قد تم تهميشهم وإلهائهم للركض وراء لقمة العيش بالنظر للرواتب الهزيلة التي يستلمونها بالريال اليمني، ولا تكاد تمثل سوى 3% من راتب الوزير الذي كان يوما ما أحد طلابهم أو الباحثين لنيل الماجستير أو الدكتوراه بإشرافهم العلمي، أما حالة المعلمين و الموظفين العاديين والمتقاعدين فقد وصلت حدا مزريا.
مشاكل المنظمومة الوطنية لمكافحة الفساد
وللأسف الشديد تعاني المنظومة الوطنية لمكافحة الفساد بشقيها القانوني والمؤسسي من قصور كبير سواء بالنسبة للقوانين التي أعتقد بأنها محتاجة إلى تطوير، وهما تحديدا قانوني الإقرار بالذمة المالية ومكافحة الفساد الصادران عام 2006م، بالإضافة إلى أن هناك نصوصا في قوانين أخرى مثل قانون محاكمة شاغلي وظائف السلطة العليا تتعارض مع روح محاربة الفساد وإحالة الفاسدين إلى القضاء حيث يمنح القانون الحصانة لشاغلي وظائف السلطة العليا.
يجب أن يعرف الجميع بأن الدولة حاليا تفتقد لشرعية وقانونية أهم كيان وطني تناط به مهمة مكافحة الفساد في البلد وهو الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والمعنية بحسب القانون بمنع الفساد ومكافحته ودرء مخاطره وآثاره وملاحقة مرتكبيه في مختلف مرافق الدولة وحجز واسترداد الأموال والعائدات المترتبة عن ممارسته وإرساء مبدأ النزاهة والشفافية في المعاملات الاقتصادية والمالية والإدارية بما يكفل تحقيق الإدارة الرشيدة لأموال وموارد وممتلكات الدولة، وهذا خلل خطير جدا، حيث وقد أنتهت الفترة القانونية لصلاحية آخر هيئة وطنية عليا لمكافحة الفساد مشكلة والمحددة بخمس سنوات وذلك عام 2018م نظرا لأن آخر تشكيل لقوام الهيئة والمكون من 11 عضوا، وهم جميعهم بدرجة وزير كان عام 2013م، وقد نص قانون مكافحة الفساد على أن قانونية نشاط الهيئة هي لفترة واحدة فقط مدتها خمس سنوات فقط ولا يجوز التمديد لها لأي سبب كان، أي أنه كان من المفروض أن تتشكل النسخة الثالثة الجديدة من قوام الهيئة الو طنية العليا لمكافحة الفساد عام 2018م وبعبارة أخرى فأن الهيئة الحالية لا يحق لها الاستمرار في نشاطها وبحسب القانون كما أن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تم تعيين رئاسته عام 2013م.
والملاحظ أن فاعلية منظومة مكافحة الفساد الوطنية منذ تعيينها عام 2013 م ليست كبيرة والدليل على ذلك هو تعاظم وتزايد مستويات الفساد في اليمن كما تؤكده المؤشرات الدولية التي تقيس تلك المستويات منذ عام 2013م وحتى 2023م وهي سنوات نشاط الهيئة والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، حيث أكدت المؤشرات بإن لدينا فساد أكل الأخضر واليابس وتدهوروتراجع ترتيب اليمن بمقدارعشرين مرتبه وبرغم ذلك لم نرى الفاسدين للأسف الشديد يخضعون للمساءلة وللمحاكمة وينقلون إلى مكانهم وموقعهم الطبيعي في السجون.
أول المهام أمام الرئاسة والحكومة
وعليه أعتقد أن أولى المهام لرئيس الوزراء الجديد وبمساعدة مجلس القيادة الرئاسي وهو في بداية الأشهر الأولى لتشكيله هي إيجاد مخرج قانوني لإعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة من أنزه الكفاءات الوطنية وأشجعها.
أعتقد أنه يجب أن يتم الإهتمام كذلك بالجانب المعلوماتي ومؤسساته الوطنية حيث تعمل التطبيقات المعلوماتية المحوسبة وتطبيقات الحكومة الإلكترونية تحديدا بما تؤمنه من قواعد بيانات دقيقة في المساهمة في كشف ومتابعة الأشكال المختلفة للفساد والقضاء عليه، وهو ما تبينه التجربة العالمية في هذا المجال، ولهذا فأقترح على رئيس الوزراء الجديد بوصفه رئيس مجلس الأمناء للمركز الوطني للمعلومات التابع لرئاسة الجمهورية أن يعمل على إيجاد ألية تنسيقية تجمع الجهات التالية
-الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد
-الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة
-المركز الوطني للمعلومات
-مفوضية المعلومات
-الجهات الأخرى ذات العلاقة
وذلك لبناء قواعد البيانات الوطنية التالية:-
-قاعدة بيانات إقرارات الذمة المالية لكل مسؤولي الدولة ابتداءا من رئيس مجلس القيادة الرئاسي وصولا إلى أدنى مسؤول في الدولة بحيث تحتوي بيانات جميع ممتلكاته وممتلكات زوجه وأولاده القصر من أموال ثابتة أو منقولة داخل اليمن أو خارجها.
-قاعدة بيانات موظفي الدولة المدنيين والعسكريين والأمنيين الذين تبلغ أجورهم ومرتباتهم 88 مليار ريال يمني شهريا
-قاعدة بيانات البعثات الدبلوماسية
-قاعدة بيانات الإبتعاث الخارجي
حيث أنه وبالإستناد على قواعد البيانات الوطنية المشار إليها يمكن اتخاذ قرارات بشان مثلا: الأسماء الوهمية والمزدوجة والمنقطعة عن العمل في سلك الخدمة سواء المدنية أو العسكرية والأمنية وكذلك تقليص عدد أعضاء البعثات الدبلوماسية و معالجة الفساد في الإبتعاث الخارجي للدراسة...إلخ
كما ينبغي إنتشال المركز الوطني للمعلومات في العاصمة عدن من وضعيته الحالية وتكليفه بوصفة الجهة المسؤلة عن بناء الإنظمة المعلوماتية على مستوى البلد للقيام بتصميم وإدخال نظم المعلومات الحاسوبية في مختلف الوزارات و الهيئات الحكومية وهو ماسيساعد على رفع وتيرة الأداء وتقليل مستويات الفساد.
كما أقترح على الحكومة الجديدة القيام بتبني المقترحات والتوجهات المستقبلية التالية لتفعيل عملية مكافحة الفساد لعل أهمها:-
أولا: مراجعة وتطوير الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد
ثانيا: إيجاد مخرج قانوني لإعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في نسختها الثالثة وكذا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة
ثالثا: إجراء تعديلات وتطوير للقوانين والتشريعات الوطنية المرتبطة بمكافحة الفساد ومنها القانون رقم 6 لعام 1995م المتصل بإلغاء الحصانة لرئيس الوزراء ونوابه و للوزراء ونوابهم للتمكن من التحقيق معهم
رابعا: استحداث جائزة وطنية رفيعة للذين يسجلون موقفا مشهودا في النزاهة ونظافة اليد و مكافحة الفساد على المستوى الوطني.
خامسا: استحداث القائمة الوطنية للنزاهة ونظافة اليد لتشمل كل الشخصيات التي لها بصمات في محاربة الفساد على المستوى الوطني.
سادسا: ضرورة الإلتزام بالعمل بقانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية رقم (23) لعام 2007م
د.يحيى محمد الريوي
أستاذ المعلوماتية المشارك بجامعة عدن
رئيس المركز الوطني للمعلومات التابع لرئاسة الجمهورية سابقا
عضو مجلس محافظي مركز التكنولوجيا التابع لجنة الأمم المتحدة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية لغرب أسيا (الأسكوا)