"رمال حضرموت السوداء".. كارثة الاستثمار المبهم
الفانوس- تقرير خاص
في منطقة "السفال بمديرية بروم ميفع بمحافظة حضرموت" حيث لا يعرف الكثيرون عن حكاية "الرمال السوداء وشركة الحصان الأسود الصينية" هذه المتلازمة التي تختزل وضع الشركة الصينية يدها على رمل يشعل حربا اقتصادية بين التنين الصيني والولايات المتحدة الأمريكية.
ومطلع نوفمبر للعام الماضي وقعت هيئة المساحة الجيولوجية بحضرموت مع "شركة الحصان الأسود الصينية للتعدين" اتفاقية تخولها بالتعدين في خام "الرمال السوداء" في "منطقة السفال بمديرية بروم ميفع بحضرموت ".
وكما ورد في موقع الهيئة تنص الاتفاقية على أن تبدأ الشركة الصينية عملها بتحديث مصنع الفصل الأولي للخام، واستيراد وتركيب مصنع الفصل المغناطيسي لفرز المعادن الداخلة في خام "الرمال السوداء" والتي تتكون من رواسب شاطئية سوداء ثقيلة تتراكم على شواطئ قريبة من مصبات الأنهار الكبيرة- مثل وادي حجر- وتتركز بفعل تيارات الشاطئ على الحمولة التي تصبها الأنهار في البحر، وتتواجد بشكل طبقات وأحزمة متبادلة مع الرمال الشاطئية وتتكون من المعادن الثقيلة خاصة "الماجنتيت والألمنيت"، وتستغل كخامات للحديد، وتحوي عادةً نسبة صغيرة من المعادن الاقتصادية ك "المونازيت والزريكون" وكلها معادن يغلب عليها اللون الداكن.
شركة مزودة للخدمات الصحية
وكان قد نشر موقع نبص حضرموت أن شركة الحصان الاسود للتعدين والاستيراد والتصدير المستثمر WANG DENG FENG، هي شركة متفرعة من الشركة الام بالصين Guangdong Ubride new material technology .Co.ltd، في عام 2014، ومن خلال البحث على الشبكة العنكبوتية فقد اتضح أنها شركة لرأس المال الاستثماري في مرحلة مبكرة ومقرها في بكين، الصين، وهي تركز على القيام بالاستثمارات في قطاعات مثل الإنترنت الصناعي، ورفع مستوى الاستهلاك، والترفيه الثقافي.
أما الشركة الأم Guangdong Ubride new material technology .Co.ltd، "قوانغدونغ بفخر شركة تكنولوجيا المواد الجديدة"، فهي شركة المواد الجديدة الصديقة للبيئة، وكان لها اسم سابق هو : Jiangmen Proudly Water-solubly Plastic Co., Ltd، هي مؤسسة وطنية للتكنولوجيا العالية والجديدة تعمل على توحيد التطوير والإنتاج والمبيعات وتتجه إلى أن تكون مزودًا محترفًا للمنتجات والخدمات الصحية الكبيرة بمواد وظيفية.
رمال الحرب الإلكترونية
وكانت "شركة الحصان الأسود" مطلع نوفمبر 2020 شرعت باستطلاع الفرص الاستثمارية بميناء المكلا، وفي مارس 2018 أيضا أعلنت رغبتها الاستثمار في "الرمال السوداء " بمحافظة حضرموت.
ويذكر خبراء جيولوجيا بأن هذه المعادن تستخدم في صناعة السيراميك والخزف والدهانات وهياكل الطائرات والسيارات والصناعات الإلكترونية والتكنولوجية المتنوعة أو ما يسمى ب"أشباه الموصلات" وهي عن المسؤول عن تشغيل المعدات الإلكترونية كافة بداية من الهواتف المحمولة إلى المعدات العسكرية، ولذلك تشكل محور نزاع مرير بين أكبر اقتصادين في العالم الصين وأمريكا.
تسعى الولايات المتحدة لتقييد وصول الصين إلى هذه الخامات أولا والتكنولوجيا المستخلصة منها ثانيا خشية استخدام الصين لها في الأغراض العسكرية وفي مقدمتها "الرقائق المستخدمة في الحوسبة الفائقة والذكاء الاصطناعي"، ولذلك في أكتوبر الماضي أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرض تراخيص على الشركات المصدرة للرقائق إلى الصين.
وتأكيدا على تقارب العلاقات الصينية السعودية وبعيدا عن القيود الأمريكية للاستثمار في "الرمال السوداء" وبحسب موقع السلطة المحلية لمحافظة حضرموت بشبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك بالنصف الثاني من شهر نوفمبر للعام الماضي، قدم البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن تمويلا مقداره 10 ملايين ريال سعودي، جزء منه لتحسين البنية التحتية لميناء الوديعة، فيما الجزء الأخر من تمويل البرنامج السعودي، سيذهب لإنشاء لسان بحري في حضرموت، من أجل تصدير الخامات والمنتجات المعدنية بالمحافظة.
وورد في موقع السلطة المحلية بحضرموت حينها، جاء التمويل بعد مباحثات أجراها محافظ حضرموت "مبارك بن ماضي"، في وقت سابق، مع قيادة الشركة الصينية الاستثمارية “الحصان الأسود” برئاسة مالكها "وينق ديجنيق " ومديرها العام أ"شرف عماد"، وحضور مدير عام هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية المهندس "فائز أحمد باصرّة"، بهدف تهيئة الظروف المناسبة للشركة الصينية للاستثمار في مجال "الرمال السوداء".
حكومة مغيبة
وأعقب ذلك حسب وكالة سبأ مناقشة محافظ حضرموت "مبخوت بن ماضي"، مع وزير النقل "عبدالسلام حُميد"، التصور الذي قدمه محافظ حضرموت لإنشاء لسان بحري لتصدير الخامات والمنتجات المعدنية بالمحافظة، نظراً لما تتمتع به حضرموت من الثروات المعدنية، وكان ذلك منتصف شهر نوفمبر 2023.
وأوضحت الوكالة أن وزير النقل حينها أكد استعداد الوزارة لتقديم كافة التسهيلات لإنجاح هذا المشروع، بعد رفع الطلب من المحافظة ومؤسسة موانئ البحر العربي والدراسات الخاصة بالمشروع للموافقة عليه مبدئياً، والرفع به لمجلس الوزراء للتصديق عليه.
ووصف متابعون هذه الاتفاقية بأنها تأتي ضمن توجهات الصين إلى توسيع مصادر الحصول على المعادن التي تستخدم في صناعة أشباه الموصلات، وبدعم وتمويل سعودى.
وفي تعليقه على الاتفاقية قال الخبير الجيولوجي د عبدالغني جغمان، حاليا سيباع الطن بـ "100" دولار، ثم تساءل ماذا لو تم تطوير هذا المشروع كم سيرتفع سعر الطن الواحد لصالح البلاد؟ وجاءت إجابته كالتالي: يتطلب الأمر إنشاء شركات لتصفية الشوائب وبيع لمصانع الزجاج بـ "2000 " دولار للطن، وفي حال وجود مصنع لألواح الطاقة الشمسية سيصبح السعر "20 " ألف دولار، وإذا عملنا منه "رقائق سيلكون" ستكون قيمة الطن "200" ألف دولار، ولكن حكومة غبية لا تفهم.
شركة طبية تستثمر في التعدين
وفي توجه آخر غير مدروس، ففي منتصف نوفمبر الماضي وقعت هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية فرع حضرموت على عقد ترخيص استكشاف رقم (2023/1) مع شركة "جلف كير للتجارة والمقاولات والتعدين وخدمات النفط المحدودة الكويتية"، للعمل الاستكشافي في مجال المعادن الفلزية بمساحة 290 كم مربع بمنطقة "وادي مدن بمديرية بروم ميفع".
وللعلم شركة “جلف كير” الكويتية كما ورد في موقع دليل كويتي للشركات، والذي ذكر أن الشركة عبارة عن مكتب للتجارة العامة، تأسس نهاية عام 2017، يتمثل نشاطه بالاتجار في جميع المعدات والمستلزمات والأدوات الطبية ولوازمها ومستلزمات لذوي الاحتياجات الخاصة، ولا علاقة لها بأعمال التعدين وخدمات النفط المحدودة، كما أنها لا تملك موقعا على الشبكة العنكبوتية.
وحسب متابعون هناك عدد من الاتفاقيات السابقة التي وقعتها السلطة المحلية بمحافظة حضرموت مع شركات خارجية منها ولكن هذه الاتفاقيات لم تنشر أو تنفذ بنودها الملزمة للطرف الخارجي.
تصدير 1575 طن من خام الرمال السوداء إلى خارج الوطن
وعام 2018 كشف مدير عام هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية فرع حضرموت الأسبق المهندس صلاح أحمد با بحير، عن منح "المركز الاقتصادي المصري" ترخيص فلزي للاستكشاف في الرمال السوداء بـمنطقة "السفال- ميفعة حضرموت" بتاريخ 19 مارس 2013 بموجب المادة رقم (16) من قانون المناجم والمحاجر رقم 22 لسنة 2010م وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (1 ) لسنة 2012م بشأن اللائحة التنفيذية.
وأضاف با بحير، خلال هذه الأعوام قام "المركز الاقتصادي المصري" بدراسة وتقيم دراسة شركة "هنتنج البريطانية" بخصوص جدوى الاستثمار في الرمال السوداء بالمنطقة، ولكن عام 2016م قام "المركز الاقتصادي المصري" بتغير رخصة الاستكشاف الفلزي إلى ترخيص استغلال صناعي وذلك بتاريخ 27 مايو 2016، وهي الرخصة رقم (1290).
ولفت با بحير أنه تقبل تحويل الترخيص في بداية الأمر كون المعادن الثقيلة تصنف فلزي، وعلى ذلك الأساس تم تصدير حمولة بإجمالي "1575" طن من خام الرمال السوداء إلى خارج الوطن، على مرحلتين الأولى "980" طن بتاريخ 26 ديسمبر 2015، والثانية "595" طن بتاريخ 24 يناير 2016، لإجراء تحارب نصف صناعي في رخصة الاستكشاف.
ورغم تصدير هذه الكمية لم يقدم الجانب المصري أي نتائج، ومطلع عام 2018 اجتمعت الهيئة مع مدراء "المركز الاقتصادي المصري" وطالبتهم بتحويل الترخيص من صناعي إلى فلزي كون مادة الخام تحمل المعادن الثقيلة وهي تندرج ضمن المجال الفلزي بحسب قانون المناجم والمحاجر واللائحة التنفيذية.
ويكشف هذا عن تخبط في قرارات الهيئة وأيضا تلاعب من الجانب المصري والذي لم يلتزم بنصوص الاتفاقية، مما اضطر الهيئة إلى عقد اجتماع وإلزام "المركز الاقتصادي المصري" بالاتفاقية وتعين مندوب يمثله بالمصنع الذي تم افتتاحه في إبريل 2016، وكذلك إلزامه بدفع ما عليه من رسوم واتاوات خاصة بالترخيص الفلزي وبأثر رجعي، وكذلك إلزامه بجلب جهاز فصل نهائي لتلك المعادن الثقيلة وما هو مرخص لهم يعطى وما هو سيادي يبقى بالمحافظة وفقا للقوانين واللوائح النافذة.
منصة" الفانوس" ستحاول في التقرير القادم أن تتوجه للجهات المعنية في حضرموت لتبيان موقفهم، لكي تتضح الصورة كاملة للرأي العام داخل حضرموت وخارجها.