فئات ضعيفةهموم يومية

في محافظة الضالع.. الآبار والسدود قبور مفتوحة لعشرات الأطفال والنساء

الفانوس - علي عواس

في صباح عيد الفطر خرجت من منزلي إلى الوادي برفقة آخر العنقود طفلي المدلل أمجد البالغ من العمر خمس سنوات، انشغلت عن أمجد دقائق قليلة، وخسرته للأبد حيث كان في تلك الأثناء يصارع الموت بداخل خزان ماء مكشوف، وتلك الدقائق سادفع ثمنها حُزن وندم، طوال حياتي"

هكذا تحدثنا لمنصة" الفانوس " محمد علي والد أحد ضحايا "خزان ثمدة" في قرية الشعب بمديرية الأزارق غرب محافظة الضالع.

بقلب متوجع وعيون ممتلئة بالحزن يقول محمد " مات ابني أمجد غرقا في خزان المياه المكشوف قبل أن يرتدي ملابس العيد، ومنذ ذلك وأنا تائه وغريق حزني ووجعي وفقدي، وأشعر أني اختنق كل صباح لا أجد فيه أمجد"
ويضيف" كلما مررت بجانب ذلك الخزان اسمع صوته، وأنفاسه المتقطعة، أشتمّ رائحته، وتحضر قسمات وجهه البريئة، فتنهار روحي في قاع سحيق من الحسرة"

ويتابع محمد" لم يكن طفلي هو الوحيد الذي توفى غرقا في هذا الخزان إنما هناك الكثير من أطفآل ونساء القرية تعرضوا للسقوط، منهم من فارق الحياة، ومنهم من تم إنقاذه وبقى في معاناة دائمة نتيجة الإصابة"

عشرات الضحايا من الأطفال والنساء

الطفل أمجد واحد من عشرات الضحايا الذين انتهت حياتهم بداخل الآبار وخزانات المياه في مديرية الأزارق غربِ محافظة الضالع، حيث تتحمل شريحة النساء والأطفال مسؤولة جلب المياه، ولذلك هم الأكثر تضررا وعرضة للسقوط في الآبار والخزانات المكشوفة أو السقوط في المنحدرات الجبلية الوعرة أثناء رحلة البحث عن المياه، ونجمت عنها وفيات وإصابات أدت بعضها لإعاقات دائمة، فضلًا عن فقدانهم لكثير من فرص التعليم، وممارسة الحياة الطبيعية.

في ساعات الصباح الأولى، وعلى اختلاف تقلبات الطقس، يستيقظ الأطفال في مهمة جلب المياه، وعوضا عن حمل حقائبهم المدرسية، يحملون الدِلا وجالونات الماء لتأمين المياه للعائلة، ويتعرضون لمخاطر كثيرة وكبيرة، فإما أن يجلبوا الماء أو يموتون دونه، في ظل أزمة مياه خانقة تعيشها القرى المتناثرة على سفوح الجبال.

الطفلة افتخار هادي (١٢ عاما) من سكان عزلة جبل عواس ما تزال تعاني صعوبة في أداء أبسط الحركات رغم مرور عام كامل على إصابتها في حادثة سقوط في بئر مكشوفة وهي تحاول سحب الماء من البئر.

كادت افتخار أن تفقد حياتها أثر سقوطها في إحدى الآبار المكشوفة واصيبت بعدة كسور ورضوض شديدة في رأسها وقدميها ونواح متفرقة من جسدها تسببت لها بإصابة قد تكون دائمة مع عدم تمكنها من الحركة والمشي باريحية.

محمد عبدالله (11 عامًا)، واحد من هؤلاء الأطفال الذين فقدوا حقهم في الطفولة وحملوا على كاهلهم عبء الحياة في سن مبكرة، حيث ترك دراسته في الصف الثالث الإبتدائي، للعمل في جلب المياه التي تبعد مصادرها عن مكان إقامته اثنين كيلو متر تقريباً، تحت ظروف قاسية، تفوق طاقته وقدرته البدنية، يعمل محمد وأقرانه من الأطفال تحت حرارة الشمس، وصقيع الشتاء.

أزدياد الحوادث أمام عجز تام في وضع حلول ومعالجات

الكثير من المواطنين في مديرية الأزارق تحدثوا لنا عن حوادث كثيرة راح ضحيتها نساء وأطفال لكنهم عاجزون كليا عن ابتكار حلول ومعالجات، أبسطها إغلاق الخزانات والآبار المفتوحة، وأكثرها تعقيدا مشكلة ندرة المياه، وكأن لسان حالهم يقول، الموت غرقا أفضل بكثير من الموت عطشا، وذلك في ظل غياب المبادرات المجتمعية، وغياب دور المنظمات والسلطات المحلية.

علي أحمد تربوي وناشط إجتماعي قال لمنصة الفانوس " إن خطر هذه الآبار والخزانات المكشوفة كبير جدا وقد زادت في الآونة الأخيرة حوادث السقوط للنساء والأطفال ولذلك نناشد كل الجهات المختصة والمنظمات الإنسانية معالجة هذه المشكلة من خلال تغطية الآبار والخزانات المكشوفة وتوفير مضخات لضخ المياه إلى أماكن سهل الوصول والحصول عليها"

بدوره يقول الناشط الاجتماعي رجب صالح" الآبار والخزانات المكشوفة أصبحت مصدر خطر يهدد الجميع خصوصا بعد انتشارها بشكل عشوائي وغير مسبوق، ولذلك نأمل من الجهات المختصة معالجة هذه المشكلة وفي اسرع وقت ممكن"

 

السلطات المحلية تطالب بتدخل حكومي عاجل

مدير عام مديرية الازارق المحامي علي هادي الحسني، يقول لمنصة الفانوس "بخصوص حالات السقوط في الآبار والخزانات المفتوحة في كثير من مناطق المديرية لا شك بأنها كثيرة ومتزايدة وتحدث غالبًا أثناء عملية جلب المياه لكون معظم سكان المديرية يعتمدون على الآبار والخزانات والكرفانات المفتوحة ويحدث السقوط نتيجة التدافع أثناء محاولة الحصول على المياه أو خلال المرور في المنحدرات والطرقات الوعرة".

ويضيف الحسني:" ان خطر هذه الظاهرة يتطلب التدخل العاجل من قبل الجهات سواء كانت رسمية أو منظمات إنسانية لوضع الحلول والمعالجات السريعة للحد من حالات السقوط.

ويؤكد الحسني عجز السلطة المحلية عن معالجة هذه المشكلة قائلا:" نحن في المديرية كسلطة محلية لا توجد لدينا أي امكانيات مادية لمواجهة ذلك، نتيجة غياب الدعم المركزي من قبل الحكومة، ولذلك ما علينا إلا أن نناشد الجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية والاغاثية للتدخل العاجل في توفير مصادر المياه الآمنة، وتغطية الآبار، والخزانات والكرفانات المفتوحة من أجل التخلص من هذه الظاهرة المؤلمة"

هذا وتعد أزمة المياه التي يعاني منها سكان المديرية هي احد أسباب زيادة نسبة حفر الآبار وبناء الخزانات والحواجز المائية المكشوفة،بهدف توفير المياه، لكنها للأسف أصبحت قبور مائية تبتلع الكثير من الأرواح البريئة، وما زال الجميع يجهل حجم هذا الخطر الذي يعاني منه سكان مديرية الازارق، والكثير من سكان الريف اليمني.

زر الذهاب إلى الأعلى