الفانوس - علاء السلال
في اليمن، حيث الحرب تدخل عامها العاشر تظهر المأساة جليّة في حياة ملايين النازحين الذين فقدوا كل شيء منازلهم، وثائقهم، وأبسط حقوقهم في حياة كريمة النزوح لم يكن مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل كان اقتلاعاً من الجذور حوّل البشر إلى أرقام بلا هوية وأطفال إلى أجيال بلا مستقبل.
مخيم السوداء بالضالع وجهٌ من أوجه المأساة
على بعد 10 كيلومترات من مركز محافظة الضالع يقبع مخيم السوداء كأحد الشواهد الحية على آثار النزاع المسلح. المخيم يأوي 110 أسر صومالية نزحت من القرن الإفريقي و85 أسرة يمنية نزحت من محافظات تعز، الحديدة، البيضاء، والضالع هذه الأسر، التي دفعتها الحرب للفرار، تواجه اليوم تحديات جديدة لا تقل قسوة عن القصف والمعارك.
حامد محسن سعيد، مندوب المخيم ورئيس لجنته المجتمعية، يسرد لمنصة "لفانوس" جزءاً من هذه المعاناة ويقول "ما يقارب نصف سكان المخيم لا يمتلكون بطائق هوية شخصية هذا يعني أننا محرومون من حرية التنقل، لا نستطيع التحرك بين المديريات أو المحافظات، ولا حتى تسجيل أطفالنا في المدارس حاولت استخراج بطاقة شخصية، لكن جميع أوراقي الثبوتية فُقدت أثناء نزوحنا من الحديدة إلى الفاخر ثم إلى هنا هذا أثر على عملي كمندوب للمخيم فأصبحت عاجزاً عن التعامل مع المنظمات الداعمة بشكل فعال"
يضيف بصوت يغلبه الحزن "ابني مياد، البالغ من العمر 12 عاماً، لا يستطيع الالتحاق بالمدرسة لأنه، مثلي، بلا هوية هذا الأمر حرمه من التعليم، وحرمني من شعور الأبوة حين أعجز عن تأمين أبسط حقوقه".
أطفال خارج نطاق التعليم
أطفال بلا مدارس وأجيال بلا مستقبل من بين 85 أسرة يمنية في المخيم لا يلتحق سوى 20% من الأطفال بالمدارس، وفقاً لما صرح به مياس عبد الله عضو اللجنة المجتمعية في المخيم يقول "النزوح والحرب جعلا الوثائق الشخصية، رفاهية لا نمتلكها وأكثر من 50% من السكان هنا بلا هوية، وهذا الوضع يجعل مستقبل أطفالنا غامضاً لهذا نناشد الجهات المختصة أن تلتفت لهذه المشكلة التي تُفاقم معاناة المهمشين الذين يدفعون ثمن الحرب بصمت".
نديم محمد حسن بارحيم 16 عاماً، ترك مقاعد الدراسة في الصف الرابع بسبب النزوح يقول لمنصة"الفانوس" حلمت أن اكمل دراستي لبناء مستقبلي ووصلت إلى الصف الرابع لكن النزوح أخذ منا كل شيء حتى حق التعليم لم استطيع اكماله والآن أعمل في جمع الكراتين والعلب المعدنية لإعالة أسرتي المكونة من سبعة أفراد بعد مرض والدي"
الحياة بلا هوية.. عرضه للمخاطر الأمنية
غياب الهوية الشخصية ليس مجرد أزمة أوراق ثبوتية بل كارثة إنسانية تُلقي بظلالها على كل جانب من جوانب حياة النازحين اسماعيل وحيد إسماعيل 17 عام يروي للفانوس كيف كادت حياته أن تنهار بسبب ضياع الهوية أثناء الحرب ويقول "ذهبت إلى مدينة دمت الخاضعة لسيطرة الحوثيين أوقفوني في نقطة أمنية وحين أخبرتهم أنني بلا هوية اتهموني بأنني صومالي واحتجزوني لساعات حيث صرنا نعيش كغرباء في وطننا، بلا أوراق تثبت يمنيتنا سوى ذكرياتنا عن منازلنا التي تركناها خلفنا".
أما هيثم وحيد إسماعيل، الذي نزح مع أسرته من منطقة مرخزة في الفاخر فيقول للفانوس "تعرضت للإيقاف في نقطة أمنية بسبب غياب الهوية نحن نعيش حياة أشبه بالسجن المفتوح لا نستطيع التنقل بحرية ولا نحظى بأي ضمانات لحقوقنا".
حياة بلا مواطنة
حرمان النازحين من أوراق ثبوتية سلخهم من الوطن، وحرمهم من أبسط حقوقهم، وباتوا تائهين ومعذبين طوال الوقت، وهذا ما يؤكده الصحفي والحقوقي صالح المنصوب الذي قال للمنصة "النازحون في اليمن يعيشون بين ركام الحرب والتشرد وحرمان من التعليم، الصحة، المواطنة، وحتى أبسط الحقوق أصبحت غائبة السلطات المحلية والمنظمات الدولية غائبة تماماً عن هذا المشهد، تاركة النازحين لمصيرهم القاسي".
بدوره المحامي هود أحمد يطالب بتحرك عاجل من قبل الحكومة والمجتمع الدولي وتوفير الرعاية الكاملة للنازحين، ويشير أن القانون الدولي الإنساني الذي يضمن لهم ذلك، لكن على أرض الواقع، نجد أن حقوقهم تُنتزع بصمت، لذلك وبحسب وبحسب ما يقول يجب وضع استراتيجيات واضحة لدعم النازحين، تبدأ بتوفير السكن الملائم والهوية الشخصية والتعليم.
ريان وحيد نازح من الفاخر يلخص معاناة النازحين بكلمات مؤلمة ويقول ظروفنا المادية لا تسمح لنا حتى بتوفير قوت يومنا ومعاملتنا في الأحوال المدنية معقدة ويطلبون منا وثائق قديمة لا نملكها، ويضيف أخشى على أولادي من مستقبل غامض كحالي، لا تعليم، لا صحة، لا حقوق، ولا مواطنة.
بين فقدان الهوية والتشرد والتجهيل يعيش النازحون في اليمن معاناة لا توصف حرمانهم من حقوقهم الأساسية يثقل كاهلهم يومًا بعد يوم، وتُطرح تساؤلات ملحة هل ستتحرك الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية لإنقاذ هؤلاء النازحين من براثن النسيان؟ أم ستبقى آمالهم معلقة في انتظار من يسمع صرخاتهم؟