الأضاحي في اليمن ..لمن استطاع إليها سبيلا! منصة" الفانوس" تزور أسواق الماشية وترصد آراء المواطنين
الفانوس- أبرار محمد
في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها اليمن، يعجز المواطنون عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، ومع اقتراب عيد الأضحى، تتفاقم معاناتهم على نحو مأساوي بسبب ارتفاع أسعار الأضاحي، وانخفاض قدرتهم الشرائية، وتدني الأجور، وانعدام فرص العمل، حيث يتجاوز سعر الأضحية راتب الموظف البسيط، وصاحب الدخل المحدود، الأمر الذي حرم ملايين الأسر من ممارسة طقوس الذبح في عيد الأضحى، فضلا عن ملايين الفقراء والمساكين الذين غادرتهم فرحة العيد خلال سنوات الحرب التسعة.
منصة "الفانوس" تجولت في شوارع صنعاء، ورصدت آراء الناس حول استعدادهم للعيد، وفيما إذا كانوا قادرين على تحمل تكاليف الأضاحي.
الخالة فاطمة، امرأة مسنة لم تعرف يوماً عدد سنوات عمرها بدقة، عاشت سنوات طويلة دون تعليم، مما جعلها غير قادرة على قراءة أو كتابة حتى أبسط الكلمات، تعاني الخالة فاطمة من أمراض متعددة؛ منها ارتفاع ضغط الدم، السكري، ومشاكل حادة في الرئتين.
في كل صباح، تتجرع مرارة الألم وتتلمس طريقها بصعوبة، وتجر خلفها جسداً أنهكه المرض وليس ما تتكئ عليه سوى عصاها، وصبرا جميل.
زوجها، ورفيق همومها، يعاني من فقدان الذاكرة منذ 26 سنة، مما أضاف عبئاً جديداً على الخالة فاطمة التي تعيش مع عائلة مكونة من ست بنات وثلاثة أولاد، غير قادرين على توفير العون المالي لوالديهم بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة، وتعيش الخالة فاطمة على المساعدات والضمان الاجتماعي، الذي بالكاد يبقيها على قيد الحياة.
تقول الخالة فاطمة لمنصة "الفانوس" إن كل ما تستطيع عمله هو قليل من الكعك ولا أمل إطلاقا في شراء أضحية أو حتى تلقيها.
وفي سياق مشابه، تعاني حياة التوني، امرأة يمنية تبلغ من العمر 35 عاماً، من تحديات اقتصادية قاسية، ولا تستطيع توفير أضحية، هي أم لست بنات وتعتني أيضًا بطفلين من أبناء زوجها من زوجته الأخرى، وزوجها ووالديه، ومنذ بداية الأزمة، أصبح زوجها عاطلاً عن العمل، مما زاد من الأعباء التي تقع على عاتقها.
لتوفير لقمة العيش، تعمل حياة في النظافة بجامعة صنعاء، براتب شهري لا يتجاوز 30 ألف ريال يمني، ما يعادل 50 دولارا وفق سعر الصرف في صنعاء، هذا الدخل المتواضع هو كل ما تعتمد عليه أسرة مكونة من 12 فرداً، وابنة زوجها الصغرى تعاني من ضمور، مما يتطلب رعاية خاصة وعلاجاً منتظماً، ولكن حياة تجد نفسها عاجزة عن تحمل تكاليفها باستمرار، وبالتالي هي صرفت نظر تماما عن شيء اسمه أضحية.
مواطنون يصرخون دون أن يسمعهم أحد
محمد عبادي، مواطن يبلغ من العمر 36 عاماً، يعيل عائلة مكونة من 13 فردا يعمل كحارس براتب شهري قدره 60,000 ريال يمني، ما يعادل 100 دولار وفق سعر الصرف بصنعاء، ينفق منها 50,000 ريال على إيجار منزله.
حالما عرفنا هذه المعلومات عنه مات سؤالنا قبل أن ننطقه، ولم تعد الإجابة بالنسبة لنا تشكل فارقا معرفيا، يقول محمد لمنصة "الفانوس": "نطلب من الدولة أن تنظر للمواطن وتقدر ظروفه، لأن أسعار الأضاحي أصبحت مرتفعة ويصل سعر رأس الغنم إلى 50,000 أو 60,000 ريال، والمواطن المسكين لا يستطيع تحمل تكلفتها، وهناك من يشتري دجاجة وهناك من لا يستطيع"
من جانبه يعلق عامر أحمد بسخرية موجعة على واقع الناس بقوله" أصبحت الأضحية كالحج لمن أستطاع إليه سبيلا"
يقف عامر على حدود الـ 35 عاماً، وهو عسكري براتب 20,000 ريال ما يعادل 10 دولار أمريكي وفق سعر الصرف في صنعاء، ويعول 6 أفراد، يقول" منذ بداية الأزمة تصعبت حياتهم بشكل كبير، وفقدوا القدرة على شراء الأضاحي".
حاتم على أحمد الجعدي، رجل في الخمسين من عمره، يعيش حياة بسيطة مع أسرة مكونة من عشرة أفراد، ويعمل كحارس براتب قدره 90 ألف ريال يمني، يذهب معظمه لتسديد إيجار المنزل.
منذ سنوات، لم يتمكن حاتم من أداء طقوس عيد الأضحى، حيث توقفت قدرته على تحمل تكاليف الأضاحي منذ اندلاع الحرب اليمنية، يقول إنه لم يسأل حتى عن أسعار الأضاحي هذا العام، إذ فقد الأمل في القدرة على شرائها منذ بداية الأزمة، ومع ذلك، يظل حاتم مقتنعاً بظروفه راضياً بما قسمه الله له.
أسعار مقبولة وقدرة شرائية ضعيفة
تجولت منصة "الفانوس" في سوق المواشي في صنعاء، ورصدت آراء بعض الباعة عن سبب ارتفاع الأسعار، وكيف هو الأقبال على الأضاحي هذا العام.
بشار العوامي، شاب يبلغ من العمر 23 عامًا، ويعمل في سوق نقم الشهير بصنعاء، يوضح لمنصة " الفانوس" أن أسعار الأغنام تتراوح بين 50,000 و75,000 ريال يمني، بينما تتراوح أسعار الأبقار من 300,000 إلى 400,000 ريال يمني وأضاف يصل إلى مليون ريال.
ويشير العوامي إلى وجود فارق واضح بين أسعار الأضاحي المحلية والمستوردة، موضحًا أن الأضاحي المستوردة كالأغنام تُسعر بالدولار وتبلغ تكلفتها حوالي 200 دولار أمريكي، ما يعادل 120 الف ريال يمني، وهذه الأسعار حالت دون قدرة معظم المواطنين على شراء الأضاحي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
ولم تقتصر مشاكل الباعة على تراجع المبيعات فقط، حيث اشتكى العوامي أيضًا من الضرائب المرتفعة التي تفرضها السلطات، وأوضح أن السلطات تفرض ضريبة قدرها 10,000 ريال على كل رأس من الأغنام الحبشية، مما يزيد من الأعباء المالية على الباعة ويرفع من أسعار الأضاحي في السوق.
يحيى الجغبلي يبلغ عمره 42 عاماً، ويعمل في الجزارة، هو الآخر يبيع اللحوم لكنه لا يستطيع شرائها، يقول يحيى إن أسعار الأغنام منخفضة، لكن المشكلة تكمن في عدم توفر المال لدى الناس، ويوضح أن أسعار (التيس) المستوردة تصل إلى 110 آلاف ريال، بينما تتراوح أسعار الأغنام البلدية بين 50 و60 ألف ريال.
على الرغم من الصعوبات التي يواجه، يحيى إلا أنه يعبر عن رغبته في مساعدة الآخرين، حيث يقول إنه لا يريد أن يأكل لحم الأغنام، بل يود أن يعطيها للمساكين، وتعكس هذه الرغبة روح العطاء والمساعدة المتأصلة في ثقافة اليمنيين، حتى في أوقات الأزمات.
انقسام البلاد بين حكومتين ساهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية وأضعف مبدأ الرقابة والمحاسبة
وفي ظل استمرار الحرب في اليمن، وانسداد الأفق السياسي، وتعثر مبادرات السلام يستمر الوضع بالتدهور، ويدفع المواطن ضريبة ذلك من عمره وصحته، حاضره ومستقبله، حيث تغيب الجهود الحكومي لمعالجة الأزمات المختلفة.
الصحفية صفية مهدي تطرح ثلاث نقاط حول هذه القضية وتقول: "أولاً، على الجهات المسؤولة مراقبة الأسعار والحد من استغلال المواطنين، ثانياً، يجب أن تكون هناك مبادرات مجتمعية تساعد المحتاجين وتوفر أضاحي بأسعار مناسبة، ثالثاً، لكل من لا يستطيع توفير الأضاحي يصبر، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وإذا لم نستطع توفير أضحية فلنكتف بما أمكن ولو دجاجة"
وحتى الدجاج أصبحت حلم بعيد المنال للكثير من الأسر اليمنية في ظل هذه الظروف الصعبة، وسط غياب روح التكافل والتعاون والعطف، ويبقى باب الأمل مفتوح نحو أمنيات وأحلام تتحقق بإحلال السلام وطي صفحة الحروب وما أرتبط بها من أوجاع ومآسي.
يذكر أن هناك فارقا كبيرا في الأسعار بين المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله الحوثيين، وبين المناطقة الخاضعة لسيطرة الشرعية، وذلك بسبب الاختلاف في سعر صرف العملات الصعبة، حيث يصل سعر الدولار في عدن قرابة 1700 ريال يمني، في حين يصل سعر صرف الدولار في صنعاء إلى قرابة 600 ريال يمني، وتزيد الأوضاع تعقيدا بفعل الإجراءات الأخيرة التي فرضها البنك المركزي في عدن، بحسب ما يرى مراقبون.