اليمن يحاول استعادة مكانته التاريخية: "موطن القهوة"
الفانوس-محمد الغباري
بعد عقود من التراجع الكبير في زراعة البن يتلمس الموطن الأول لهذه الشجرة الطريق للعودة إلى قائمة مصدّري القهوة مراهنًا على الجودة والمذاق الفريد لا على الكمية بسبب الفارق الكبير بين المساحات المزروعة فيه مقارنة بدول أمريكا اللاتينية التي تنتج معظم احتياجات العالم من هذا المشروب.
وبعد أيام من اختتام المهرجان الأول للبنّ في مدينة عدن التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد، تحيي صنعاء اليوم الوطني للبنّ والذي يصادف في الثالث من مارس/آذار كل عام، حيث تعمل السلطات على إحياء هذا المحصول الوطني الهام بعد أن احتلّت نبتة "القات المخدّر" معظم المدرجات التي كانت تزرع بها أشجار البنّ.
ووفق وزارة الزراعة اليمنية فانّ المنتجين والمصدّرين يركّزون على الكيف قبل الكمّ والاحتفاظ بجودة المنتج التاريخيّ بمذاقه الفريد. كما تسعى الوزارة لإنشاء المركز الوطني لزراعة البنّ. وترى أنّ ذلك سيُحدث نقلة نوعية في تطوير وانتاج القهوة والاحتفاظ بالجودة المتميّزة.
وحسب البيانات، فإنّ الكمية التي يتم تصديرها اليوم من البن اليمني لا تزيد عن 20 ألف طن، ولكنّ الحكومة والمنتجين يخططون لرفع الكمية إلى 100 ألف طن سنويًا. في ظلّ توجّه واضح لدى بعض السكان لاقتلاع نبتة القات واستبدالها بأشجار البنّ، حيث قدّم الجانب الحكومي نحو 50 ألف شتلة بشكل مجاني على المزارعين في محافظتي اب وتعز، خلال العام الماضي بهدف تشجيع زراعة البنّ.
ورغم الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها اليمن نتيجة الحرب المتواصلة منذ تسعة أعوام، ولأنّ 73% من سكانه يعيشون في الأرياف ويعملون في الزراعة فإنّ زراعة البنّ وفق مختصين تواجه تحديات كبيرة لأنّ أشجاره تحتاج إلى عامين حتى تنتج، لهذا يفضل المزارعون المنتجات سريعة العائد المادي.
ومع ذلك تقول السلطات إنها وخلال السنوات الأربع الماضية، قامت بتوزيع أكثر من 13 مليون شجرة بنّ، وتذكر أنّ هذا المنتج يُباع بأغلى الأسعار حيث يصل سعر الكيلو من البنّ اليمني إلى 50 دولارًا، بينما في دول أخرى لا يزيد سعر الكيلو من هذا المنتج عن 4 دولارات، وأعادوا السبب في ذلك إلى جودة البنّ اليمني ونوعيّته.
ويشدد المسؤولون على أهمية تنمية صادرات البنّ لأنها تشكل موردًا لرفد الاقتصاد الوطني ومصدرًا للنقد الأجنبي في اليمن، وحثّوا رجال الأعمال على الاستثمار في هذا المجال وتطوير عملية تسويق هذا المنتج الذي حمل اسم ميناء المخا (موكا) الذي كان مخصصًا لتصديره إلى العالم.
وفي مطلع شهر يناير/كانون الثاني الماضي حقق المزاد الوطني للبنّ اليمني رقمًا قياسيًا جديدًا، حيث وصل سعر أغلى محصول إلى 976 دولار للكيلو الواحد ضمن مبادرة نظّمتها مجموعة من المهتمين بقطاع القهوة في البلاد، ومن بينها اتحاد جمعيات القهوة المحلية، ووحدة القهوة، والغرفة التجارية، والمنظمات غير الحكومية، وعدد من الخبراء والباحثين والأكاديميين.
المزاد شارك فيه 89 مشتريًا من 11 دولة مختلفة. وكان الهدف منه تقديم أفضل محاصيل القهوة اليمنية للعالم ودعم مزارعيها عبر منصة الكترونية مخصصة للمزادات اليمنية حيث فاز المزارع محمد الرميم من منطقة الحيمة الخارجية - قرية بني سليمان - بمحافظة صنعاء بأغلى محصول تم تبيعه في المزاد حيث تميّز المحصول بنكهة فريدة ورائحة قوية وفق ما أعلنت إدارة المزاد.
وعبّر المدير التنفيذي للمزاد، محسن عاطف، عن اعتزازه بمزارعي القهوة الذين يعملون بجد رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. وقال إنّ المزاد يظهر جودة القهوة اليمنية العالية والاهتمام الكبير بها من قبل العملاء العالميين، أما "ميثاق الكيف" الذي اشترى أغلى محصول في المزاد العلني، فأكد أنه سيسوّق القهوة اليمنية في الخليج والعالم العربي وأنه متشوّق لتذوّق المحصول الذي اقتناه حيث يشكل المزاد الوطني للقهوة فرصة للعالم لاستكشاف ثراء اليمن من القهوة الممتازة والمتنوّعة.
ويؤكد القائمون على المزاد إنهم يلعبون دورًا حاسمًا في تعزيز نجاح سلسلة القيمة في قطاع القهوة، ودعم تطوير الأعمال والقيمة المضافة في مراحل متعددة من سلسلة القيمة، بما في ذلك المعالجة والتجارة والسوق. كما معالجة فجوة كبيرة واجهها قطاع القهوة في اليمن لسنوات عديدة وهي تنظيم وتوجيه المزارعين والتجار للالتزام بالمعايير الدولية. وإلى جانب ذلك، يقدّم المزاد خدمات حيوية في تقييم جودة القهوة وتحديد الأسعار العادلة. كما أنه يخدم مرحلة التداول من خلال ربط المزارعين بالتجار بشكل شفاف، وتعزيز الثقة بين اللاعبين في سلسلة قيمة القهوة اليمنية.
من جهته، دعم مكتب الأمم المتحدة الإنمائي مشروع تحوّل المزارعين في اليمن من زراعة القات إلى زراعة البن، في إطار دعم تحسين الأمن المناخي وتعزيز التوظيف في البلاد من خلال تجربة الانتقال من القات إلى القهوة.
وذكر أنّ قطاع القات نما بشكل كبير في اليمن في السنوات العشر الأخيرة وزاد معه الضغط على احتياطيات المياه الجوفية الهامة، مما يهدد بمزيد من الحد من وصول اليمنيين إلى المياه في واحدة من أكثر دول العالم جفافًا. وفي الوقت نفسه، زاد الطلب العالمي على البن ولم يتم التعرّف على إمكانات إنتاج البن اليمني بالكامل.
وسيقوم المشروع بإجراء تحليل لسلسلة القيمة لإنتاج القات في اليمن، مع التركيز على فوائد الدخل المالي وفرص كسب العيش التي يوفرها إنتاج القات وتحديد كيفية استخدام ذلك للترويج للبن، وتجريب أصناف البن اليمني المقاومة للمناخ وممارسات إدارة موارد المياه المستدامة كبديل لإنتاج القات غير المستدام، لتعزيز الأمن المناخي في مجتمعات مختارة.
وسيعمل المشروع على نطاق التدريب، بالإضافة إلى شراء شتلات البنّ، والبنية التحتية الصغيرة مثل أنظمة تجميع مياه الأمطار، أو معدات تنظيف وتصنيف القهوة داخل المجتمعات المختارة، إذ يراهن المكتب الأممي على أن يؤدي المشروع إلى تعزيز الإنتاج المستدام للبنّ وسلاسل القيمة كمحصول بديل عالي القيمة للحد من استغلال المياه الجوفية، وتعزيز فرص كسب العيش، وتمكين المرأة.
وبشأن النتائج المتوقعة، يرى معدّو المشروع أنه سيعمل على تحليل سلسلة القيمة لإنتاج القات مع التركيز على الفوائد المالية وفرص كسب العيش التي يوفرها القطاع، مع توصيات حول كيفية تعزيز سلسلة قيمة البن كبديل، وتطوير خطط مجتمعية شاملة لإنتاج البنّ، بما في ذلك ممارسات إدارة الموارد، وتقديم المعدات والإمدادات اللازمة لإجراء مشروع تجريبي لإنتاج البنّ في مناطق زراعة القات.